شريط العربية الاخبارى

الثلاثاء، 12 أبريل 2011

أغانى الشتاء........قصة قصيرة بريشة /طلعت زيدان

أغانى الشتاء
ريشة /طلعت زيدان

بالرغم من كونها ليلة شتوية دافئة الا أنه اشعل نيران ...مدفأته، قرب مقعده قليلا ، شعر بمزيد من الدفء الذى لا يحتاجه الا لمجرد أنه أحد طقوسه التى يعشقها ، بدا له احتياجه للسجائر ، فتش عن علبة سجائره ، خرج لشراء واحدة ، الطريق نصف معتم ، على بقايا الضوء الخافت لمح عقرب ساعته يشير للواحدة صباحا، أمامه عشر دقائق للوصول لأقرب أكشاك السجائر، مرر بفكره صورا متلاطمة لطفولته المقصوصة الأصابع ، هنا بنفس الشارع كان يجمعه المكان بأصدقائه الذين لا يعرف حتى الطريق لبيوتهم الجديدة ، هناك على الأطراف كان عم على بائع الساندوتشات ، وهناك أيضا على الناصية كان مقهى المعلم حسن ، كم كان يضج بالمقاعد التى تحمل حكايات وحكايات لأصحابها ، كان الوالد يخرج كل ليلة ليسامر أصحابه ، أما تلك البيوت التى أكل عليها الدهر وشرب فبعضها لازال قائما تحت قهر الرطوبة التى تآكلت لها الجدران ، والبعض قد تمت ازالته بالفعل لتقوم عليه المشروعات الاستثمارية الجديدة ، أما هذا البيت المقابل فقد كان أغلى بيت إلى قلبه الصغير فى فترة من الفترات ، حينما كان فى بداية مراهقته ، كان يتعمد المرور من هنا كثيرا كى يرى "حسناء"تلك الجميلة الرقيقة ، كانت تصغره بعام واحد ، تعرف عليها فى العام الثانى بالثانوية العامة ، هو يتذكر جيدا لقاءه الأول بها ، يتذكر عندما اقتطف من حديقه العم محسن وردتين وأهداها واحدة واحتفظ بتوأمها بحجرته ، يتذكر كم عنفته أمه حينما لمحت على وجهه علامات العشق ، وطالبته بانهاء دراسته حتى يكون بعون أبيه الذى أرهقته مصاريف البيت مع قلة راتبه الذى لا يكفيهم الا نصف الشهر ، يتذكر أيضا حسناء حينما وعدها بالزواج وطالبته بأن يلتمس شهادة تخرجه أولا ،استغرقه الابحار فى بحر ذكرياته، فوجىء بأنه قد وصل الى كشك السجائر ، لم يتحدث للبائع فقد حفظه البائع وحفظ مطالبه ، قفل عائدا فى روتينية مطلقة ، يشعل سيجاره بهدوئه المعتاد ، يدور مع حلقات الدخان ، يسافر من جديد يستكمل سيل ذاكرته المنهمر ، أعد لنفسه فنجان قهوته الخالى من السكر ، فتح بعض الأدراج التى يظهر من صعوبة فتحها طول الفترة التى انطوت فيها على نفسها منغلقة ، اخرج دفترا قديما ، كان يسجل به خواطره منذ عشرين عاما ، نفض عنه الأتربة التى استحلت احتضان اوراقه ، قرأ بصوت متهدج ، خاطرتى الأولى ، اليوم قابلت " مريم " زميلتى بالكلية ، هى جميلة تعلق بها القلب ، اهديتها ديوان شعر وبعض الخواطر ، مررت لى بعض مشاعرها بعد شهر من تعارفنا ، كانت معجبة بما أكتب من خواطر ، ،،،،
قلب صفحات دفتره بطريقة عشوائية ، قرأ من جديد ،، اليوم امر بحالة تشبه التخدير ، تزوجت صفاء ، كنا متفقين على الارتباط ، وضعت بها ثقتى أكثر من اية امرأة عرفتها ، لم يكن معى من المال ما يكفى لعقد صفقة زواجها كما طلب والدها ،،،، كانت بقايا النيران تلفظ أنفاسها الأخيرة ، انتهى من قهوته ، نهض متجها لغرفة نومه ، كانت هناك صورة مكسورة لطفل صغير ، هو لا يريد أن يراها ، أدار وجهها للحائط ، شرب جرعة ماء صغيرة ربما احتاجها ليبتلع غصة ذكرياته التى أبت أن تبيت بجوفه كالمعتاد ، اتجه الى سريره ،، حاول ان ينام
لم يغمض له جفن ،، كان يشتاق لقلمه ودفتر خواطره الذى طواه من زمن سحيق ، عاد اليهما ثانية ، امسك بقلمه
كتب على اخر سطر من دفتره ...." هنا ترقد روحى "
اطفأ الأنوار ...سافر بقلبه إلى شاطىء كان يعشق الجلوس عنده حينما يقتله الحزن ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق